الغربلة والتمحيص في الإسلام | سنة إلهية لتمييز المؤمنين
- 14/05/2025
- تم النشر بواسطة: مصطفى الحوري
- الفئة: الانتظار والظهور

فهرس البحث
ملخص المقال (للقراءة السريعة)
في هذا المقال نغوص في مفهوم التمحيص والغربلة، كما ورد في القرآن وأحاديث أهل البيت عليهم السلام. نكتشف أن هذه السنّة الإلهية ليست مجرّد بلاء، بل هي أداة فرز، يكشف الله بها جوهر الإنسان، ويميز بها المؤمن المتمسك من المنافق المتلوّن.
نتناول معنى الغربلة لغويًا واصطلاحًا، ونحلل الآيات والروايات المرتبطة بها، ونتأمل في وسائل الامتحان التي يتعرض لها المؤمنون، وحكمة الله من هذه المحن، خاصة في عصر الغيبة، حيث يصبح الثبات على شريعة أهل البيت امتحانًا يوميًا.
ثم نعرض النتائج التي تترتب على اجتياز هذا التمحيص أو السقوط فيه: من بناء الشخصية الرسالية، إلى الضياع والانحراف. وأخيرًا، نؤكد أن لا طريق إلى النصر الإلهي إلا بعد هذه الغربلة، كما وعدتنا الآية:
﴿ألا إن نصر الله قريب﴾.
المقدّمة
عندما تريد ثوبًا جيدًا من بين أكوام القماش، لا بدّ أن تطرح كل الخيارات أمامك لتختار الأفضل. وهكذا هي الحياة في ميزان الله: لا يُسلَّم زمام الأمور لمن هبّ ودب، بل لا بد من امتحان، من تمحيص، من غربلة. يمتحن الله الإنسان لتظهر حقيقته، وتنكشف سريرته، وتتجلّى درجته في سلّم الإيمان.
وهذا القانون الإلهي يشمل الجميع، بل الشيعة تحديدًا في مواجهةٍ أشدّ وأدقّ، كما دلّت عليه النصوص القرآنية والروايات الشريفة:
عن الإمام الباقر عليه السلام:
«واللهِ لَتُمَيَّزُنَّ، واللهِ لَتُمَحَّصُنَّ، واللهِ لَتُغَرْبَلُنَّ كما يُغَرْبَلُ الزُّوانُ مِنَ القَمْحِ»
[الكافي، ج8، ص67]
فما هي الغربلة؟ وما ميزانها في عين الله؟ وما النتائج التي تترتب على اجتيازها أو السقوط فيها؟ هذا ما نضيء عليه في هذا المقال.
أولًا: مفهوم الغربلة
في اللغة:
جاء في معجم الغني:
- غَرْبَلَ الشيء: نخله، كشف حاله، فرّق بين مكوّناته.
في الاصطلاح:
ذكر العلامة المجلسي في بحار الأنوار:
“المراد من الغربلة: تمييز الجيّد من الرديء، والمؤمن من المنافق، والصالح من الطالح، بالفتن التي تَعرض للناس؛ كما في الغربال يتميّز اللبّ من النخالة.”
بل رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام:
“اللهمّ غربلني غربالًا”
أي: صفّني من الذنوب، ونقّني من العيوب.
ثانيًا: كيف يتغربل الإنسان في ميزان الله؟
يقول تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾
[البقرة: 155]
النتيجة الأولى من الآية:
أن وسائل الغربلة هي: الخوف، الجوع، فقدان المال، موت الأحبة، ضيق الموارد.
رواية تحذيرية شديدة:
عن الإمام الباقر عليه السلام:
“لَتُمَحَّصُنَّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإنّ صاحب العين يدري متى يدخل الكحل، ولا يعلم متى يخرج.”
[الغيبة للطوسي، ص214]
الدلالة:
الفتن قادرة على زلزلة العقيدة. قد يصبح الإنسان اليوم على شريعة أهل البيت، ثم يمسي وقد خرج منها، إذا لم يكن على وعيٍ دائم ومراقبة مستمرة.
ثالثًا: ما حكمة الغربلة؟
يقول الإمام علي عليه السلام:
“إنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجًا للتكبّر من قلوبهم، وإسكانًا للتذلّل في نفوسهم…”
[نهج البلاغة]
وعليه:
- الغربلة تُنتجُ النفوس النقية.
- تُخرِجُ العناصر الفاسدة.
- تُعدّ الأمة لقيادة التغيير.
في عصر الغيبة الكبرى، الغربلة أشدّ، لأنها تفرز من هو مستعد لتحمّل العبء الرسالي، ومن سيخذل الإمام المنتظر عجل الله فرجه.
رابعًا: النتائج المترتبة على الغربلة
1. نتائج النجاح والفلاح:
- الاطمئنان بقضاء الله.
- صناعة الشخصية الرسالية الصلبة.
- التسليم الكامل للمشيئة الإلهية.
- مجتمع ناضج قادر على حمل مشروع الإمام.
2. نتائج الهلاك والسقوط:
- الانحراف عن الدين.
- اليأس والقنوط.
- كفران النعم.
- الفقر والضياع الروحي.
الختام:
الغربلة سنّة ربانية، لا استثناء فيها لأحد، وهي تمهيد إلهي لخلق مجتمعٍ صالحٍ ممهدٍ لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه. ومن هنا، فإننا في عصر الانتظار لا بد أن نربّي أنفسنا وأولادنا على الصبر، والثبات، وحسن الظن بالله، وعدم التسرّع في الفتن.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ…﴾
[البقرة: 214]
اللهم اجعلنا من الممحّصين الناجين، لا من المغرورين الهالكين.
وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الكاتب:mustafaalhoorey12@gmail.com
اترك تعليقاً إلغاء الرد
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.