عدالة توزيع الإرث في الإسلام: هل ظلم الإسلام المرأة؟
- 20/12/2024
- تم النشر بواسطة: حيدر سهوان
- الفئة: الإرث الفقه المرأة الهوية الإسلامية شبهات

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
يا آمنة بنت وهب
مقدمة:
يُثار كثيراً سؤال حول عدالة توزيع الإرث في الإسلام، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة ميراث المرأة مقارنةً بالرجل، حيث يقول البعض: “عندما يعطي الإسلام للذكر مثل حظّ الأنثيين فهل هو يظلم المرأة؟”. في هذا المقال، سنستعرض عدة محاور توضّح رؤية الإسلام للمال وللتكاليف المالية، كما سنلقي الضوء على بعض الأمثلة التي قد تتفوق فيها المرأة أو تتساوى مع الرجل في الأنصبة الإرثية. يهدف هذا الطرح إلى تصحيح التصورات الخاطئة وإبراز البعد الحقيقي لأحكام الشرع في هذا الجانب.
عندما يعطي الإسلام للذكر مثل حظ الأنثيين فهل هو يظلم المرأة؟
الجواب في عدة محاور:
1- الأموال في المنظور الإسلامي:
إنَّ الإسلام ينظرُ إلى الأموال على أنَّها وسيلةٌ من وسائل تنظيم شؤون المعاش، وطريق لتأمين ما يحتاجه الإنسان من مؤنٍ وسكن ولباسٍ وعلاج وغير ذلك ممَّا تقتضيه شؤون الحياة. فليس للمال قيمةٌ في ذاته لولا ما يترتَّب عليه من آثار، كما أنَّه ليس لتملُّكه خصوصيَّة لو كان الإنسان قادراً على الاستفادة منه دون تملُّك.
ولمَّا أصبح الإنسان، وقد انحرفت به الغفلة عن هذه الرؤية، وأضحى المال أكبرَ غاياته، وجدناه يسعى لجمعه وتكديسه لينصرف بذلك عن الغاية المثلى لهذه الحياة. فتلاحظون أنَّ هذه الإشكاليَّة نشأت عن الإيمان بأنَّ لملكية المال قيمةً ذاتيَّة، وأنَّه مهما استفاد الإنسان من المال في قضاء جميع حوائجه فإنَّه ما لم يملكه فهو محرومٌ منه. وإلا فلو اعتبر المال وسيلةً لتحصيل المؤن وتنظيم شؤون المعاش، فإنَّ هذه الإشكالية تغدو ساقطة.
2- المسئولية الماليَّة المناطة بالرجل:
فالرجل عندما يكون زوجاً فإنَّه المسئول عن تدبير المهر والنفقة والسكن والعلاج للزوجة، وهكذا سائر الاحتياجات التي تقتضيها شؤون المعاش. وليس على الزوجة أنْ تُنفق من أموالها شيئاً، حتى لو كانت أكثر ثراءً من زوجها. وإذا لم يكن للزوج مالٌ، فإنَّه لا تسقط عنه النفقة على زوجته الثريَّة فضلاً عن الفقيرة، بل يلزمه تحصيل المال بواسطة التكسُّب.
وأمَّا البنت فإنَّها وإنْ كانت تستحقُّ نصف ما للولد من نصيب، إلا أنَّها لا تصرف أكثره إلا فيما يتَّصل بشؤونها الخاصَّة. وإذا اتَّفق أن كانت هذه البنت زوجة -وغالباً ما يتَّفق ذلك- فإنَّها لن تحتاج لصرف شيءٍ من نصيبها؛ إذ تقع الأعباء المالية على الزوج.
3- تفوُّق نصيب المرأة في بعض الحالات:
ليس من الصحيح القول بأنَّ المرأة ترثُ دائماً نصفَ ما للرجل من نصيب، فإنَّها كثيراً ما تتفوَّق أو تتساوى مع الرجل فيما يستحقُّه من إرث. ولتوضيح ذلك نذكر مثالين مع وجود العديد من الأمثلة:
• المثال الأول: لو لم يكن للميِّت إلا أم وأخوة أو أجداد وأعمام أو أخوال، فإنَّ الأم، والتي هي امرأة، تستأثر بتمام الميراث، ولا يستحقُّ الإخوة والأجداد ولا غيرهم أيَّ شيءٍ من التركة. وهكذا لو كان للميِّت بنتٌ وإخوة أو أعمام وأجداد، فإنَّ الميراث كلَّه للبنت أو البنات.
• المثال الثاني: لو كان للميِّت أختٌ لأبوين وكان له إخوةٌ لأب دون الأم، فإنَّ الميراث كلَّه للأخت من الأبوين دون الأخوة من الأب.
خاتمة:
يتضح من خلال هذه المحاور أن حكم الإرث في الإسلام لا يقوم على تفضيل جنسٍ على آخر، بل هو نظام تشريعي متكامل يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المسؤوليات المالية الواقعة على الرجل، في مقابل حرية المرأة في التصرف في مالها دون التزامات مماثلة. إضافةً إلى ذلك، توجد حالات متعددة تتفوق فيها المرأة أو تتساوى مع الرجل في النصيب الإرثي. وبذلك نجد أن هذه الأحكام ليست ظلماً للمرأة، بل تمثل منظومة متوازنة تضمن العدالة بين الأطراف، وتراعي متطلبات الحياة وشؤون المعاش، مما يجعل ميراث المرأة في الإسلام قائماً على أسس عادلة ومنطقية.
اترك تعليقاً إلغاء الرد
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.