طريق النور: كيف ننمي روح الجديّة في طلب العلم؟
- 03/12/2024
- تم النشر بواسطة: محمد درويش
- الفئة: النجاح والإنجاز تطوير الذات

جدول المحتويات
المقدمة:
العلم هو النور الذي يُضيء دروب الحياة، ويهدي الإنسان إلى سبيل الكمال. وهو ليس مجرد معلوماتٍ نكتسبها، بل هو رحلةٌ نحو فهم أنفسنا والعالم من حولنا، وسعيٌ دؤوبٌ لإعمار الأرض بما يرضي الله تعالى. ولكن هذا النور لا يُنال إلا بالجدّ والاجتهاد، والإخلاص في طلب المعرفة. يقول الله تعالى: ﴿واتّقوا الله ويُعلّمكم الله﴾ [البقرة: 282]، مُشيرًا إلى أن التقوى والسعي هما مفتاحا العلم والفهم. فكيف نُنمّي روح الجدّية في طلب العلم؟ وكيف نستلهم من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الدروس والقواعد التي ترشدنا إلى هذا الطريق المُبارك؟
1. شغف البداية: نية صادقة وقلب مُشتعل:
“إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” (حديث شريف متفق عليه). قبل الشروع في أي عمل، لا بدّ من تحديد النية وإخلاصها لله تعالى. وفي طلب العلم، تُعدّ النية الصادقة بمثابة الشرارة التي تُشعل الحماس في قلوبنا، وتُحفّزنا على المثابرة والاستمرار. فلنسأل أنفسنا: لماذا نطلب العلم؟ هل هو لأجل الدنيا وزينتها، أم هو لأجل رفع الجهل عن أنفسنا وتقريبها إلى الله عزّ وجلّ؟ إنّ النية الخالصة تُبارك في العلم وتجعله نورًا يهدينا في دروب الحياة.
2. الانضباط: مفتاح القلوب النابضة بالعلم:
يدعونا القرآن الكريم إلى الالتزام والانضباط في جميع شؤون حياتنا، فقال تعالى: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً﴾ [الإسراء: 34]. والتزامنا بعهد طلب العلم يتمثّل في احترام الأوقات، والحضور إلى الدروس في مواعيدها، وأداء الواجبات والمشاركة في النشاطات بكلّ جدٍّ ودقّة. فالانضباط ليس تقييدًا للحريّة، بل هو وسيلةٌ فعّالةٌ لتنظيم وقتنا وجهدنا، وتحقيق أهدافنا بنجاح.
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خير قدوةٍ لنا في الانضباط والإتقان، فقد قال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه” (حديث شريف). فالإتقان والجدّية وجهان لعملةٍ واحدة، وهما من أهمّ سمات طالب العلم الناجح.
3. احترام المعلّم والعلم: بابٌ من أبواب البركة:
يقول الله تعالى: ﴿ورفعنا بعضهم فوق بعض درجاتٍ﴾ [الزخرف: 32]. إنّ التفاوت في درجات العلم بين الناس هو سنّةٌ إلهية، ولقد جعل الله تعالى المعلّمين في مكانةٍ رفيعة، فهم ورثة الأنبياء، وحملة مشاعل النور والهداية. واحترام المعلّم وتقديره ليس مجرد واجبٍ أخلاقي، بل هو سلوكٌ راقيء يُفتح لنا أبواب البركة في العلم، ويُعيننا على فهم المعرفة واستيعابها.
وفي رسالة الحقوق للإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام نقرأ: “وحق سائسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدًا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدّث في مجلسه أحدًا، ولا تغتاب عنده أحدًا، وأن تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوًا، ولا تعادي له وليًا، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه، لا للناس.”. فتوقير العلماء ومعرفة حقوقهم هو جزءٌ لا يتجزأ من الجدّية في طلب العلم، وهو مفتاحٌ للحصول على رضى الله تعالى ونيل بركاته.
4. العلم كعبادة: روح النشاطات والواجبات:
في الإسلام، لا يُنظر إلى العلم كمجرّد نشاطٍ أكاديمي، بل هو عبادةٌ قُربةٌ إلى الله تعالى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “مَن خرج يطلب بابًا من أبواب العلم ليردّ به ضالا إلى هدى أو باطلًا إلى حقّ، كان عمله كعبادة أربعين يوما”. فعندما نؤدّي واجباتنا التعليمية، أو نُشارك في النشاطات المطلوبة منا، علينا أن ننظر إليها كأعمالٍ صالحة تُقرّبنا من رضوان الله تعالى. هذا التصور يُغيّر نظرتنا نحو المهام الدراسية، ويُضفي عليها معنىً أعمق، ويُحفّزنا على أدائها بإتقانٍ وإخلاص.
5. المثابرة والصبر: دروسٌ من الأنبياء:
يُلهمنا القرآن الكريم قصص الأنبياء والصالحين الذين ضربوا أروع الأمثلة في الجدّية والمثابرة في طلب العلم. تأمل قصة نبي الله موسى (عليه السلام) عندما طلب العلم من الخضر (عليه السلام)، حيث قال: ﴿قال له موسى هل أتّبعك على أن تُعلّمني مما عُلّمت رشدا﴾ [الكهف: 66]. هذا الطلب المليء بالتواضع يعكس حرص موسى (عليه السلام) على طلب العلم، رغم مكانته العالية كنبيٍّ مُرسل.
إنّ الصبر مفتاح الجدّية، رُوي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: “مَن لم يصبر على ذُلِّ التعلُّم ساعةً، بقي في ذُلِّ الجهل أبدًا”. كما قال عليه السلام: “لا يُدرك العلم إلّا بالصبر”. فإذا واجهت صعوباتٍ في التعلّم، تذكّر أن المثابرة والصبر هما الطريق نحو التقدّم والنجاح.
6. تنظيم الوقت والعادات اليومية: سنّةٌ نبوية:
رُوي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: “قليلٌ تدوم عليه أرجى من كثيرٍ مملولٍ منه”. كما قال عليه السلام: “قليلٌ تدوم عليه أرجى من كثيرٍ ينقطع”. فلنجعل التعلّم عادةً يومية، حتى لو كان بضع دقائق في اليوم. قراءة، مراجعة، أو حتى الاستماع إلى محاضرةٍ علمية، المهم هو الاستمرارية وعدم الانقطاع عن طلب العلم.
7. التعاون والتكامل: لنبني معًا:
يقول الله تعالى: ﴿وتعاونوا على البرّ والتقوىٰ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ [المائدة: 2]. إنّ الجدّية في طلب العلم لا تعني العزلة والانطواء على النفس، بل يجب أن تترافق مع التعاون والتكامل مع الآخرين. فلنُشارك زملاءنا في النقاشات، ونتبادل معهم المعرفة والخبرات، ونعمل معًا كفريقٍ واحد لتحقيق أهدافنا العلمية. فالعمل الجماعي يُثري الفهم ويُعزّز روح المسؤولية والتعاون.
الخاتمة:
إن الجدّية في طلب العلم ليست مجرد خيار، بل هي ضرورةٌ ملحّةٌ لمن يسعى إلى النور والهداية، ورفع الجهل عن نفسه ومجتمعه. يقول الإمام علي (عليه السلام) لكميل بن زياد: “يا كميل، العلم خير من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقة، ومنفعة المال تزول بزواله. يا كميل، محبة العالم دين يدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة لربه في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزواله، والعلم حاكم والمال محكوم عليه.”. إذا جعلنا العلم أولويةً في حياتنا، وتسلّحنا بالجدّية والصبر والإخلاص، فإننا سنفتح لأنفسنا أبواب النجاح في الدنيا والآخرة، ونُساهم في بناء مستقبلٍ مشرقٍ لأنفسنا ولوطننا وللإنسانية جمعاء.
فهل أنت مستعدٌ لتكون طالب علمٍ مُجد؟ هل أنت مستعد لأن تجعل من كل لحظةٍ في طلب العلم عبادةً تُنير طريقك وتُقرّبك من الله تعالى؟
الكاتب:محمد درويش
تعليقان
اترك تعليقاً إلغاء الرد
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
بارك الله العطاء مقال رائع يساهم في رفع درجة الوعي لإدراك واجبنا تجاه أنفسنا والعلم والطريق الذي نسعى إليه.
مقال ملهم شكر الله سعيكم
حفظكم الله تعالى، الشكرُ لكم على مروركم