ما هو معيارك للنجاح؟ نصائح من القرآن وأهل البيت

ما هو النجاح الحقيقي؟ في هذا المقال، نستكشف معايير النجاح بين القيم الأخلاقية والدينية والمعايير المادية، ونبحث كيف يُعرّف القرآن وأحاديث أهل البيت عليهم السلام النجاح، مع توجيه نحو الدعاء كمدخل أساسي لتحقيق التوفيق والفلاح.

في عالم تتباين فيه معايير النجاح حسب اختلاف القيم والأهداف، يواجهنا تساؤل عميق: ما هو النجاح الحقيقي؟ كيف نحدد أن شخصاً ما قد حقق النجاح، بينما قد يراه آخرون بعيداً عنه؟ هذا التساؤل ليس جديداً، ولكنه يتطلب منا استحضار عمق المفهوم ومعياراً يرتكز على أسس تتجاوز المعايير السطحية.


زحزحة عن النار: معيار النجاح الأبدي

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه:

“فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ”
(آل عمران: 185)

هذا التصور القرآني يرسم لنا مفهوم النجاح في سياقٍ يتجاوز الحياة الدنيا إلى الآخرة. إنه الله سبحانه وتعالى يبين أن “الزحزحة عن النار” هي الحد الفاصل بين النجاح والفشل الأبديين. إنه يقول بأن النجاح هنا لا يُحسب وفقاً للثروة أو الشهرة أو المكانة، بل بحسب معايير روحية وأخلاقية. فالمعيار الأسمى في الإسلام هو الفوز بالجنة، والنجاح الدائم هو رضا الله عز وجل، والذي يقترن بما يتركه الإنسان من أثر صالح.


النجاح الظاهري مقابل النجاح الحقيقي

دعونا نلقي نظرة على أمثلة تجسد هذا الاختلاف في الرؤية. فالرئيس الأمريكي السابق (والفعلي) دونالد ترامب، على سبيل المثال، يرى نفسه مثالاً للنجاح، مستنداً في ذلك على ثروته الضخمة ونفوذه السياسي. غير أن كثيرين يرون هذا النجاح سطحيًا ومبنيًا على استعراض الصورة العامة والألقاب دون قيمة حقيقية تخدم المجتمع أو تترك أثراً إيجابيًا.

على الجانب الآخر، نجد العالم الديني الشيخ مرعشي النجفي، الذي رحل عن الدنيا دون أن يترك ثروة مادية، لكنه خلف إرثاً من العلم والمعرفة التي تضيء درب طلابه وأتباعه. يعتبره الكثيرون ناجحاً، ليس بسبب ثروة أو سلطة، بل لأنه ترك أثراً ثقافياً وروحياً دائماً. في المقابل، نجد إيلون ماسك يمتلك ثروة ضخمة ويُعتبر من أنجح رجال الأعمال. على رغم ذلك, إن مفهوم نجاحه يظل محصوراً في إطار مادي بحت، وقد لا يُعتبر نجاحاً حقيقياً لأنه يفتقر للبعد الروحي والأخلاقي العميق.

وينطبق هذا كذلك على المشهد السياسي. بنيامين نتنياهو يقصف غزة ولبنان. هو يرى نجاحاً في عملياته العسكرية من منظور عسكري ضيق، بينما يرى كثيرون فشله في كونه مسؤولاً عن تدمير حياة العديد من الأبرياء. على الجانب الآخر، نجد يحيى السنوار، الذي يُعتبر في نظر شعبه ومن يدعمه مثالاً للشجاعة والثبات. في نفس الوقت يراه خصومه فاشلاً لأنه يقف ضد مصالحهم. إذن، النجاح الحقيقي ليس بما يراه الشخص لنفسه. النجاح الحقيقي يكون بما يتركه الشخص من أثر إيجابي على من حوله ويتماشى مع القيم الأخلاقية الراسخة.


الدعاء: مفتاح النجاح الحقيقي

عندما يتحدث الناس عن النجاح، يتبادر إلى الأذهان عادةً مفاهيم الجدية والمثابرة والعمل الدؤوب. ورغم أهمية هذه العوامل، إلا أن هناك جانباً آخر يغفله الكثيرون، وهو الدعاء. ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله:

“الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح”

يشير هذا الحديث إلى أن الدعاء هو البوابة التي ندخل بها إلى طريق النجاح، كونه يمثل ارتباطنا الروحي بالله وثقتنا به. النجاح لا يقتصر على ما نحققه بجهدنا الشخصي فحسب، بل هو توفيق إلهي يفتح لنا الأبواب ويسدّد خطانا نحو الصواب.

نحن غالباً ما نربط النجاح بالاجتهاد الشخصي والمثابرة، لكن الدعاء هو الذي يمنح هذا الجهد بُعدًا روحياً ومعنى أعمق. إذ إن الدعاء يجسد ارتباط الإنسان بخالقه وثقته به في كل خطوة يخطوها نحو أهدافه. وحين يسأل أحدهم عن عوامل النجاح، نادراً ما يشير إلى الدعاء كعنصر أساسي، رغم أنه يُعتبر الأصل الذي يمكّن الإنسان من الوصول. والسبب أنه يعمل على تحقيق الاتزان الروحي، ويساعد الإنسان على مواجهة التحديات بطمأنينة وثقة بالله.


إذن، ما هو معيارك للنجاح؟

لتحديد معيار النجاح الحقيقي، يحتاج الإنسان إلى مراجعة عميقة للقيم التي يبني عليها حياته وأهدافه. ليس هذا المعيار ثابتاً، بل يتغير بناءً على ما يعتبره الفرد أساساً جوهرياً لحياته. قد يكون ذلك في خدمة الآخرين، تعزيز القيم الروحية، أو إيجاد طريقٍ للسلام الداخلي.

من خلال استيعاب مفهوم “الزحزحة عن النار” كغاية عليا، والدعاء كأصل في رحلة النجاح، نكون قد بدأنا بوضع معايير حقيقية للنجاح. معاييرنا قد تتجاوز البعد المادي، وتركز على ما ينفع الإنسان في دنياه وآخرته. بهذا، يصبح النجاح رحلة مستمرة نحو التطور الذاتي وإحداث الأثر الإيجابي، وليس مجرد تحصيل للأموال أو المناصب.

روابط ذات صلة لمزيد من التطوير الشخصي:

محمد درويش

طالب علم في العلوم الحوزوية، حاصل على درجة البكالوريوس في التصميم البصري، ويكمل حاليًا دراسته للماجستير في الحوزة العلمية بقم المقدسة.

لديه خبرة في المجالات الإعلامية والترجمة، حيث عمل في هذه المجالات لعدة سنوات. كما أنه شارك في العديد من الدورات التدريبية الإسلامية في مجالات التربية، والأسرة، والإدارة.

مؤسس ومدير مركز البصيرة، الذي يهدف إلى نشر المعرفة والثقافة الإسلامية، وتقديم دورات متنوعة في هذا المجال، سعيًا لخدمة المجتمع وتلبية احتياجاته الثقافية والدينية.

يسعى لتوظيف معرفته ومهاراته المكتسبة في خدمة المجتمع، والمساهمة في تطوير مجاله. ملتزم في عمله، ولديه اهتمام بالتعلم والتطور المستمر.

بحكم خلفيته الأكاديمية في التصميم البصري والدراسات الإسلامية المتقدمة، يسعى لتحقيق التوازن بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي، ويأمل أن يقدم مساهمات تخدم المجتمع الإسلامي.

تاريخ النشر

09/11/2024

مقالات الأستاذ

قريبا…

مقالات مرتبطة

قريبا…

وجهات النظر

Submit a Comment