أسرار العلاقات في القرآن: كيف يبني الإيمان أقوى الروابط بين المسلمين؟
- 07/03/2025
- تم النشر بواسطة: محمد درويش
- الفئة: الأخلاق الإسلامية الهوية الإسلامية دراسات القرآنية

في عالمٍ يموج بالتحديات والاختلافات، يقدّم القرآن الكريم رؤية فريدة للعلاقات بين المؤمنين، مبنية على الأخوّة الصادقة، الاحترام المتبادل، والتكافل الاجتماعي. فهو لا يكتفي بتحديد القواعد الأخلاقية، بل يغرس في القلوب روح المحبة والإصلاح، سواء في العلاقات بين المسلمين عمومًا، أو في العلاقة الزوجية التي تعدّ أساس المجتمع.
في هذا المقال، سنغوص في أهم الآيات القرآنية التي تتناول هذه الروابط، مدعّمة بتفاسير الميزان، الأمثل، تفسير نور، بالإضافة إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام) من الكافي. كيف يمكننا أن نجسّد هذه التعاليم في حياتنا اليومية؟ وما السرّ وراء جعل العلاقة بين المؤمنين بهذا العمق والتكامل؟ تابع معنا لاكتشاف المنهج القرآني لبناء علاقات قوية ومستدامة.
1. العلاقة بين المؤمنين بشكل عام:
الآية 49:10 – قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ (الحجرات 49:10).
هذه الآية تؤكّد أن المؤمنين جميعًا أخوة في الدين. يعلّق تفسير الميزان أن الأخوّة هنا “جعل تشريعي” بين المؤمنين لها آثار وحقوق شرعية ، فمن واجبهم إصلاح ذات البين إذا وقع خلاف أو اقتتال . ويبيّن أن حصر العلاقة بالأخوّة هو تمهيدٌ لتعليل الأمر بالإصلاح؛ أي لولا رابطة الأخوّة الإيمانية لما أوجب الله الصلح بينهم . ويشرح تفسير الأمثل الآية بصورة vivid، فيقول: كما تسعون للإصلاح بين أخوَيْن بالنسب، فكذلك ينبغي أن لا تألوا جهدًا في الإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين بعدالة تامّة ، مشيرًا إلى بلاغة القرآن في تصوير نزاع المؤمنين كنزاع بين إخوة ينبغي المبادرة لحلّه . أما تفسير نور فيركز على أن الأخوّة الإيمانية تستلزم المساواة والتراحم، فالمؤمنون جسد واحد وأسرة واحدة، ووحدة المؤمنين نعمة إلهية ينبغي شكرها بالحفاظ على الألفة بينهم. وفي ختام الآية أمر بالتقوى رجاء نيل الرحمة، مما يدل أن الحفاظ على الأخوّة والإصلاح مرتبط بتقوى الله.
رواية من الكافي: روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «المُؤمِنُ أَخو المُؤمِنِ، عَينُهُ وَدَلِيلُهُ، لا يَخُونُهُ ولا يَظلِمُهُ ولا يَغُشُّهُ ولا يُعِدُهُ عِدَةً فَيُخلِفُهُ» . تُبرز هذه الرواية حقوق الأخوّة بين المؤمنين: الأمانة وعدم الظلم والغش ووجوب الوفاء بالوعود فيما بينهم.
الآية 9:71 – قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة 9:71)
أي أن المؤمنين والمؤمنات أولياء ومتناصرون فيما بينهم. يفسّر الميزان الولاية هنا بأنها تشمل التعاون والنصرة والرعاية المتبادلة في أمور الدين والدنيا. ويذكر الأمثل أن هذه الآية تُبيّن التكافل الاجتماعي في المجتمع الإيماني – فالرجال والنساء المؤمنون يحمون ويعينون بعضهم بالمعروف، فيأمرون بالخير وينهون عن المنكر (كما تكمل الآية). ويضيف تفسير نور أن الآية تساوي بين المؤمنين رجالًا ونساءً في مسؤولية دعم بعضهم: فالجميع شركاء في الإيمان، تجمعهم الولاية والمحبة في الله، مما يقتضي أن يقف كل منهم إلى جانب الآخر كعائلة واحدة.
رواية من الكافي: عن الإمام علي (ع) قال في وصيته: «اللهَ اللهَ في إخوانِكُم فإنهم عُدَّةٌ في الدنيا والآخرة». وهذه توصية بمراعاة حقوق الأخوّة الإيمانية والتناصر بين المؤمنين، انسجامًا مع معنى الولاية المذكور في الآية. (المصدر: الكافي)
2. حقوق الأخوة في الإيمان:
الآية 49:11 – قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ… وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ﴾ (الحجرات 49:11).
تنهى هذه الآية عن السخرية واللمز (العيب) والتنابز بالألقاب بين المؤمنين، لأنها تُخلّ بحرمة الأخوّة. يوضح تفسير الأمثل أن الآية تقرر أصلًا من أصول الأخلاق الاجتماعية لمنع التحقير والإهانة بين المسلمين، فربّما يكون المسخور منه خيرًا عند الله من الساخر . ويشير الميزان إلى أن استخدام تعبير ﴿لا تلمزوا أنفسكم﴾ يعني أن عيب المؤمن لأخيه كأنه عيب لنفسه، لأن المجتمع الإيماني وحدة واحدة. ويضيف تفسير نور أن من حقوق الأخوّة الاحترام المتبادل وحفظ الكرامة؛ فالآية تحذّر من ألقاب السوء لأنها تجرح المشاعر وتبذر العداوة، مما ينافي روح الأخوّة.
الآية 49:12 – قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ… وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (الحجرات 49:12).
تتناول هذه الآية ثلاثة حقوق أساسية بين الإخوة في الإيمان: حسن الظن وتجنّب الشكوك السّيئة، وترك التجسس، وتحريم الغيبة. يقول تفسير الميزان إن الآية تربط بين سوء الظن والغيبة، لأن من يسيء الظن يتجسس، ومن يتجسس يجد ما يبرر غيبته لأخيه، وكل ذلك حرام لحرمة الأخ المؤمن. ويبين الأمثل بصورة مؤثرة تشبيه القرآن للغيبة بأكل لحم الأخ الميت ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ للتنفير الشديد منها. ويشير تفسير نور إلى أن هذه التوجيهات الإلهية تحفظ المودة بين المؤمنين: فترك الظنون السيئة يحفظ القلوب من البغضاء، واجتناب التجسس يصون الخصوصيات، واجتناب الغيبة يصون السمعة والكرامة. هذه حقوق واجبة احترامها ليبقى المجتمع المؤمن طاهرًا متحابًا.
رواية من الكافي: عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «من روى على مؤمن رواية يُريد بها شَينَهُ وهَدْمَ مروءته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان». هذه الرواية في حرمة الغيبة والإساءة لكرامة المؤمن، وتؤكد أن انتهاك حرمة الأخ المؤمن يُخرج الفاعل من ولاية الله، مما يوافق شناعة الغيبة المذكورة في الآية. (المصدر: الكافي)
3. التعامل بين المسلمين:
الآية 4:86 – قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (النساء 4:86).
تأمر الآية بردّ التحية بمثلها أو بأحسن منها، وهذا أدب رفيع في التعامل. يشير تفسير الأمثل إلى أن ابتداء السلام وردّه بتفاضل الحُسن يشيع المودة بين المسلمين ويكسر حواجز الكبر، ويعلّق تفسير نور أن البدء بالسلام سنة نبويّة وواجب الردِّ فرضٌ قرآني، مما يجعل إفشاء السلام أساسًا لبناء المحبة والثقة في المجتمع. ويضيف الميزان أن في صيغة الأمر ﴿فحيّوا﴾ دلالة على وجوب الرد، وفي تقييدها بالأحسن حثٌّ على المبادرة لمكارم الأخلاق.
الآية 5:2 – قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة 5:2).
هذه الآية ترسم منهج التعامل بين المؤمنين بالتعاون في الخير وتقوى الله، ونبذ التعاون على الشر. يذكر تفسير الميزان أن الأمر بالتعاون على البرّ يشمل كل خير وصلاح ينفع المجتمع، والنهي عن التعاون على الإثم يشمل كل معصية وظلم يضر الآخرين. ويوضح الأمثل أن المجتمع الإسلامي يقوم على التكافل؛ فكل فرد عونٌ للآخر في المعروف، مما يحقق القوة والوحدة، أما المعصية والعدوان فالتناصر فيهما مرفوض شرعًا لأنها تهدم المجتمع. وينبه تفسير نور إلى أن التعاون فريضة اجتماعية لحفظ تماسك الأمة؛ فالمؤمن ضعيف وحده قويٌ بإخوانه، كما في الحديث «المؤمن قويٌ بأخيه». لذلك جعل الإسلام التعاون في الخير عبادة يُثاب عليها المسلم.
روايات من الكافي:
– قال الإمام علي (ع): «البخيلُ مَن بَخِلَ بالسَّلامِ». ففي البدء بالسلام تواضعٌ وتأليف للقلوب، فمن بخل به فقد حرم نفسه خيرًا عظيمًا. (الكافي)
– وعن الإمام الصادق (ع) قال: «قضاءُ حاجةِ المؤمنِ خيرٌ من ألفِ صلاةٍ وألفِ عُمرة». وفي رواية أخرى: «مَن مشى في حاجة أخيه المؤمن فكأنما مشى في شعاب الجنة». هذه الأحاديث تؤكد فضل التعاون وخدمة الإخوان، فمن أعان أخاه ابتغاء وجه الله نال ثوابًا عظيمًا، مما يحقق مضمون التعاون على البر والتقوى المذكور في الآية.
4. العلاقة بين الأزواج في القرآن:
الآية 30:21 – قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم 30:21).
تشير الآية إلى أربعة أسس للعلاقة الزوجية: أولًا أن الزوجين من نفس واحدة وجنس واحد لتحقيق الانسجام، ثانيًا هدف الزواج السكن والسكينة أي الطمأنينة النفسية بين الزوجين، ثالثًا المودّة أي المحبة العميقة، ورابعًا الرحمة أي العطف والشفقة المتبادلة خاصة عند الكبر أو المرض. يقول تفسير الأمثل أن المودّة هي الحبّ الإنساني الراقي الذي يجعل كل من الزوجين يريد الخير للآخر، والرحمة هي التعاطف الذي يظهر في رعاية كل منهما للآخر . ويبيّن الميزان أن خلق الزوج من نفس الزوج الآخر يدلّ على تمام الأُلفة والتجانس بينهما، فالعلاقة ليست جسدية فحسب بل روحية قائمة على ميثاق إلهي. ويضيف تفسير نور أن وجود الحب والرحمة بين الزوجين هو نعمة ربانية وآية من آيات قدرته وحكمته في تكوين الأسرة؛ فبها تستمر الحياة الزوجية رغم ما قد يعترضها من صعوبات، لذا ينبغي شكر هذه النعمة بحسن العشرة.
الآية 2:187 – قال تعالى في وصف العلاقة بين الزوجين: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ (البقرة 2:187).
شبّه القرآن كلًا من الزوج والزوجة باللباس للآخر. يوضّح تفسير الميزان أن في هذا التشبيه معاني عميقة: فاللباس يستر العورة وكذلك الزوجان يستر كل منهما خصوصيات الآخر وأخطائه عن الناس، واللباس وقاية وحماية للجسد من الحرّ والبرد وكذلك الزوجان كل منهما يحمي الآخر عاطفيًا واجتماعيًا، واللباس زينة للإنسان وكذلك كل من الزوجين زينة وفخر للآخر. ويذكر الأمثل أن هذا التعبير يدل على كمال الاقتران والالتصاق بين الزوجين حتى كأنهما جسد واحد؛ فلا حرج بينهما ولا حجاب، وكل منهما يكمل الآخر. ويعلّق تفسير نور أن الآية ترسم أجمل صورة للعلاقة الزوجية القائمة على المودة والحماية المتبادلة، مما يستلزم أن تكون المعاشرة بينهما بالمعروف والإحسان كما أمر الله.
رواية من الكافي: قال رسول الله ﷺ: «ما استفاد المؤمنُ بعد تقوى الله خيرًا له من زوجةٍ صالحة؛ إن أَمَرَها أطاعته، وإن نظر إليها سرّته، وإن أقسم عليها أبرّته، وإن غاب عنها حفظته». تُبرز هذه الرواية مكانة الزوجة الصالحة في إسعاد زوجها ورعاية حقوقه، وهو ما يحقق السكن والمودة والرحمة المشار إليها في الآيات القرآنية أعلاه. (الكافي 5 / 327)
5. الحقوق والواجبات الزوجية:
الآية 2:228 – قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ (البقرة 2:228).
تقرّر هذه الآية مبدأ التكافؤ في الحقوق والواجبات بين الزوجين؛ فللنساء من الحقوق على الرجال مثل ما للرجال عليهن، مع تثبيت درجة قيادة الأسرة للرجل. يشرح تفسير الأمثل أن هذه الدرجة ليست تمييزًا في الكرامة الإنسانية، بل هي مسؤولية القوامة والإدارة وحفظ النظام الأسري الملقاة على عاتق الرجل مقابل واجب النفقة وحماية الأسرة . كما يشير الميزان إلى أن الآية جاءت في سياق الحديث عن العدة والطلاق، فالدرجة قد تعني أولوية الزوج في إرجاع زوجته خلال العدّة، أو تحمل مسؤوليات إضافية. ويؤكد تفسير نور أن الإسلام ساوى بين الزوجين في معظم الحقوق، لكنه أعطى الرجل درجة في بعض الأمور التنظيمية للأسرة رحمةً بالمرأة ولما يتحمله الرجل من واجب الإنفاق والدفاع، فلا تفهم على أنها أفضلية مطلقة للرجل، وإنما تقسيم أدوار تكاملي.
الآية 4:19 – قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء 4:19)
بعد أن نهى عن التضييق على الزوجات أو أكل حقوقهن. تأمر هذه الجملة القصيرة بحسن المعاشرة للزوجات. يقول الميزان: المعاشرة بالمعروف تشمل المعاملة الحسنة قولًا وفعلًا ونفقةً، والصبر على ما قد يكره الرجل في زوجته؛ فقد قال تعالى بعدها ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ – أي إن كراهة أمرٍ ما في الزوجة لا يبرر الإساءة، فلعلّ الله يجعل فيه خيرًا كثيرًا. ويشرح تفسير الأمثل أن على الرجل تحمّل زوجته وإكرامها وعدم التضجر من بعض طبائعها، فربما جعله الله سببًا لسعادته. ويضيف تفسير نور أن المعروف كلمة جامعة لكل خير؛ فالآية تطالب الأزواج بالتعامل الإنساني والأخلاقي مع زوجاتهم، وهذا يشمل الكلام اللطيف، وتوفير النفقة بدون مِنّة، والعدل في المعاملة، والعفو عن الزلات.
الآية 4:34 – قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء 4:34).
تقرّر الآية مسؤولية الرجل في القوامة على الأسرة لأمرين: المزية التكوينية في تحمّل المشاق عادةً، وواجب الإنفاق المالي. يبيّن تفسير الميزان أن القوّامية تعني إدارة شؤون الأسرة وحمايتها، فهي تكليف للرجل يقابله حق الطاعة بالمعروف من الزوجة في إطار هذه الإدارة. وتصف الآية الزوجات الصالحات بطاعة أوامر الله وحفظ غيبة الزوج (بحفظ نفسها وماله). ثم ترشد الآية إلى كيفية علاج نشوز الزوجة (أي عِصيانها وعنادها) بالتدرّج: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ بالنصح والتذكير بالله أولًا، ﴿واهجروهن في المضاجع﴾ إن استمرت بالنشوز بهجرها في الفراش فترةً تأديبًا، ﴿واضربوهنَّ﴾ أخيرًا ضربًا خفيفًا غير مبرّح إن أصرت على التمرّد. يؤكد تفسير الأمثل أن هذه المرحلة الأخيرة شَرطُها عدم إيذاء الزوجة وأنها علاج استثنائي في أحوال خاصة جدًا ، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه لم يضرب امرأة قط؛ فالآية تُبيّن الحد الأقصى ولا تعني وجوب الضرب. ويشير تفسير نور إلى أن المنهج القرآني لإصلاح الحياة الزوجية يهدف للحفاظ على كيان الأسرة؛ فجعل الرجل مسؤولًا عن حلّ الأزمات بالحكمة والصبر، وعلى الزوجة قبول إرشاده ضمن حدود طاعة الله. وختمت الآية بقوله ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ أي إن عادت الزوجة للصلاح فلا يجوز للرجل ظلمها أو التذرع بأخطاء الماضي.
روايات من الكافي:
– عن رسول الله ﷺ: «خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِنِسَائِي» . يعلّق الإمام الصادق (ع) على ذلك بأن خيرية الرجل تُقاس بحُسن تعامله مع أهله، فمن كان لطيفًا رحيمًا بزوجته فهو خير المؤمنين . وهذه الرواية توافق الأمر القرآني بحسن المعاشرة بالمعروف.
– وعن الإمام الصادق (ع) أيضًا أنه قال: «جِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ». أي أن سعي المرأة لإرضاء زوجها وخدمته بالحسنى يُعدّل الجهاد في سبيل الله في الأجر. وهذا ينسجم مع ما سبق من توصيات القرآن للرجل والمرأة معًا، فكما على الزوج القوامة وحُسن المعاشرة، على الزوجة حُسن الطاعة ورعاية حقوق الزوج. وبذلك تستقيم الحياة الزوجية على المودة والرحمة.
الخاتمة
يقدّم القرآن الكريم منهجًا متكاملًا للعلاقات بين المؤمنين، سواء في الأخوّة الإيمانية، التعامل اليومي، أو العلاقة الزوجية. فهذه العلاقات لا تقوم فقط على المصلحة أو العاطفة، بل على أسس إلهية من المودة، الرحمة، العدل، والإصلاح، مما يجعلها متينة ومستدامة عبر الزمن.
عندما نلتزم بهذه المبادئ في حياتنا اليومية، نخلق مجتمعًا مترابطًا ومتماسكًا، حيث يشعر كل فرد بالأمان والدعم من إخوانه في الإيمان. التزامنا بهذه التعاليم ليس مجرد التزام نظري، بل مسؤولية عملية تظهر في طريقة تعاملنا، قدرتنا على الإصلاح، وحفاظنا على حقوق الآخرين.
💡والآن، دورك أنت! كيف يمكننا تطبيق هذه القيم في واقعنا اليوم؟ وما التحديات التي تواجه العلاقات بين المؤمنين في عصرنا؟ شاركنا أفكارك وتجاربك في التعليقات!
الكاتب:محمد درويش
اترك تعليقاً إلغاء الرد
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.