بناء الذات ومعرفة الذات: وجهان لعملة واحدة
- 16/02/2025
- تم النشر بواسطة: علي الهادي مشلب
- الفئة: تطوير الذات

بناء الذات ومعرفة الذات: وجهان لعملة واحدة
ليس للإنسان مقصودٌ أرفع وأسمى من “بناء الذات”، الذي يمثّل الهدفَ النهائيّ من خلقته. ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ ثمّة ترابطًا وتشابكًا إلى حدّ كبير بين “بناء الذات” وبين “معرفة الذات”، إلى درجة أنّه يمكن القول إنّهما وجهان لعملة واحدة. و”بناء الذات” ليس سوى السعي من أجل الارتقاء بالذات أكثر على سلّم الإنسانيّة، وكيف يمكن الحديث عن ارتقاءٍ للذات دون الحديث عن معرفةٍ للذات؟! فلا بدّ من جعل “معرفة الذات” ومعرفة جوهر وجود الإنسان المحورَ والنقطة المركزيّة في “بناء الذات”.
الطريق إلى معرفة الذات
إذا ما أراد أحدٌ الوصول إلى معرفة جوهر وجود الإنسان ومعرفة الذات الإنسانيّة، فأفضل طريق هو الرجوع إلى هذه الذات والغوص في أعماقها واستكشاف حقيقتها، وما فيها من قوى داخليّة وميول فطريّة قد أودعَت فيها. ثمّ بعد ذلك، يبدأ السعي لاستكشاف الطريق الأمثل الذي يؤمّن أفضل استغلال لهذه القوى الداخليّة وأكبر استثمارٍ للميول الفطريّة في سبيل الوصول إلى المقصد الأساسي والسعادة الحقيقيّة. وإذا عرف الإنسان هذا الطريق، أمكن له أن يُبحر نحو بناء هذه الذات.
التأمل في أعماق الذات
من هنا كان أفضل منهج يمكن لنا أن نعتمده في مجال معرفة الذات هو التأمّل في أعماق وجودنا واكتشاف العوامل المودَعة في فطرتنا من أجل السير نحو الهدف الأساسي والوصول إليه.
مكانة معرفة الذات في الأديان
تُعدّ معرفة الذات من أهمّ المسائل الأساسيّة والمحوريّة التي ركّزت عليها مختلف الأديان والمذاهب. فإنّنا نجد جميع هذه الأديان والمذاهب على اختلافها تؤكّد على أنّ الإنسان إذا عرف نفسه، فسوف يصل إلى حقائق الطبيعة وأسرار الخلقة؛ وهذا سببُه الترابط والانسجام الموجود بين معرفة الإنسان ومعرفة العالم، بل ومعرفة خالقه وخالق العالم.
مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ.
التأكيد الإسلامي على بناء الذات
وإذا ما أتينا إلى الدين الإسلامي، نجد تأكيدًا إلهيًّا على مسألة بناء الذات، ونجد هذا التأكيد ينعكس في كلام قادة هذا الدين ـ أي النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ـ، فنجدهم يؤكّدون كلَّ التأكيد على مسألة “معرفة الذات” ولزوم التوجّه للنفس.
وإنّ في تأكيدهم وتوصيتهم إرشادًا إلى حقيقة فطريّة مفادها:
أيّها الإنسان، أنت طالب للسعادة بفطرتك، ولكن لا يمكنك معرفة سعادتك إلّا بعد أن تعرف ذاتك.
العلاقة بين معرفة الذات والسعادة
نحن في الحقيقة عندما نتأمّل في مساعينا ونشاطاتنا الحياتيّة – أعمّ من المساعي العلميّة والعمليّة – نجد أنّ جميع هذه المساعي تنصبّ في إطار تأمين أمورٍ من قبيل: “اللذة”، “السعادة”، “المصلحة” وما شابه ذلك.
ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّنا ما دمنا لم نعرف الإنسان وكمالاته واستعداداته وقابليّاته ومبدأه ومنتهاه، ولم نكتشف أبعاده الوجوديّة، فإنّنا سوف نكون عاجزين عن معرفة لذّاته وسعادته ومصالحه.
فما دمنا نجهل أنفسنا، كيف لنا أن نحدّد لذّاتنا وسعادتنا ومصالحنا بالنحو الصحيح، ونشخّص أيّها أهمّ وأفضل من الآخر؟!
معرفة الذات كأساس لكل معرفة
من هنا، فإنّ مسألة معرفة الذات مقدَّمةٌ على جميع المسائل، بل ومن دون معرفة حقيقة الإنسان ومنزلته الواقعيّة، سوف تكون سائر المباحث بلا فائدة ولا ثمرة.
فالمزارع الذي يريد أن يهتمّ برشد شجرةٍ ونموّها، ما دام لم يتعرّف على تلك الشجرة ولم يحدّد نسبة الحرارة والمياه التي تحتاج إليها ونوع الأسمدة اللازمة لها، فلن يتمكّن من النهوض بذلك الأمر على الإطلاق، وسوف تكون كلّ مساعيه بلا أيّ نتيجة.
خاتمة
إنّ معرفة الذات ليست مجرّد مسألة فلسفيّة أو فكريّة، بل هي حجر الأساس لكل تقدّم إنساني، وهي بوّابة الوصول إلى السعادة الحقيقيّة. فلا يمكن للإنسان أن يسير نحو بناء ذاته دون أن يبدأ من معرفة ذاته، لأنّهما وجهان لعملة واحدة، والطريق إلى الارتقاء لا يبدأ إلا من الداخل.
هل تريد معرفة المزيد حول بناء الذات؟ انضم إلى هذه الدورة
تعليقان
اترك تعليقاً إلغاء الرد
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
مقدمة مفيدة لدورة مفيدة
رااااائع بارك الله قلمكم ووجودكم